الحمد لله.
أولا :
أحفاد الرسول صلى
الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة رضي الله عنها ، ولكون
الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه شرف بلا شك ، صارت ذريته
ينتسبون إليه ، ولا ينسبون إلى آبائهم ، وقد ذكر العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله
عليه وسلم .
واستدلوا على ذلك
بعدة أدلة ، منها :
قوله صلى الله
عليه وسلم : (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (3714) ومسلم (2449) .
قال الشريف السمهودي
:
"معلوم أن
أولادها بضعة منها ، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ، وهذا غاية الشرف
لأولادها" انتهى
نقله الألوسي في
"روح المعاني" (26/165) .
ومنها : قول النبي
صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما : (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ
، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِين)
رواه البخاري (2704) .
فسمَّاه
"ابنه" وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما .
قال ابن القيم
رحمه الله :
"المسلمون
مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب
لهم من الله الصلاة ؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها ، فمن انتسب إليه صلى الله عليه
وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة ، ولهذا قال النبي صلى
الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته : (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه ، ولما أنزل الله
سبحانه آية المباهلة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى
الْكَاذِبِينَ ) آل عمران/61، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج
للمباهلة .... إلى أن قال :
وأما دخول أولاد
فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد
الكريم ، الذي لا يدانيه أحد من العالمين ، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته
وعظيم قدره ، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم
تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم ، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم ، ويكادون
يضربون عن ذكر آبائهم صفحا ، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدره ، الجليل خطره ؟
" انتهى باختصار.
" جلاء الأفهام
" (ص/299-301) .
وجاء في
"مغني المحتاج" (3/63) :
"فَائِدَةٌ
: مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ
إلَيْهِ ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ"
انتهى .
وجاء في
"الموسوعة الفقهية" (2/640) :
"ممّا اختصّ
به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه
في الكفاءة وغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إنّ ابني هذا سيّد)" انتهى
.
وقال الحافظ ابن
حجر الهيتمي الفقيه الشافعي :
"ثم معنى
الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم : أنه يطلق عليه أنه أب لهم
، وأنهم بنوه ، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة ، فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف . [وهذا
عند من اعتبر الكفاءة في النسب في النكاح ، فلا تتزوج شريفة بغير شريف إلا برضاها ورضا
جميع أوليائها ..
ثم قال ابن حجر
: وقولهم : "إن بني هاشم والمطلب أكفاء" محله فيما عدا هذه الصورة .
وحتى يدخلوا في
الوقف على أولاده والوصية لهم ، [ وهذه مسألة افتراضية ، لو أوقف الرسول صلى الله عليه
وسلم مالاً أو أوصى به وقال : هذا لأولادي ، دخل في أولاده صلى الله عليه وسلم أولاد
فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد أنهم ينسبون إليه] .
وأما أولاد بنات
غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام .
نعم ، يستوي الجد
للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم . ومن فوائد
ذلك أيضاً : أنه يجوز أن يقال للحسنين : أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو
أب لهما اتفاقا ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن : (إن ابني هذا سيد)"
انتهى باختصار .
"الصواعق
المرسلة" (4/462) لابن حجر الهيتمي .
وقد استدل السيوطي
رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه "الخصائص الكبرى" (2/381) ، غير
أنها ضعيفة ، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص"
(3/142) ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (801 ، 4104 ، 4324) .
ثانياً :
هذا الحكم ، وهو
أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه ، إنما هو لأولاد بناته ، ثم أولاد
الحسن والحسين ، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم ، وإنما
ينسبون إلى آبائهم .
قال السيوطي رحمه
الله :
"هل يشاركون
– يعني أولاد زينب بنت فاطمة - أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله
عليه وسلّم ؟
والجواب : لا
. وإن كانوا جميعاً يدخلون في "ذرية النبي صلى الله عليه وسلم" وفي
"أولاده" .
وقد فَرَّق الفقهاء
بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل ، وبين مَن ينسب إليه :
ولهذا قالوا :
لو قال : وقفت على أولادي : دخل ولد البنت .
ولو قال : وقفت
على مَن يُنسب إلي مِن أولادي : لم يدخل ولد البنت .
وقد ذكر الفقهاء
من خصائصه صلى الله عليه وسلّم : أنه ينسب إليه أولاد بناته ، ولم يذكروا مثل ذلك في
أولاد بنات بناته ، فالخصوصية للطبقة العليا فقط ، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه
، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه ، وأولاد زينب وأم كلثوم [بنات
فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله ، لا إلى الأم ، ولا إلى أبيها صلى الله عليه
وسلّم ؛ لأنهم أولاد بنت بنته ، لا أولاد بنته ، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في
أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه ، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد
الحديث بها ، وهو مقصور على ذرية الحسن ، والحسين ....
ولهذا جرى السلف
والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً ، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته
وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك كما هو معلوم
.
ولهذا حكم صلى
الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته ، لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك ، وإنما أعقبت بنتاً
، وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع ، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلّم بهذا الحكم
مع وجودها في زمنه ، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته ، وأما هي
فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه ، ولو كان لزينب ابنة رسول الله
صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه
صلى الله عليه وسلّم .
هذا تحرير القول
في هذه المسألة" انتهى باختصار .
"الحاوي"
(2/31) .
ومثل ذلك قاله
الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في "الفتاوى الحديثة" (ص 67) .
والله أعلم .
سلمت يداك ياشريف يابن الساده الاشراف
ردحذف